العسل في الطب النبوي

0



كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصف العسل للشفاء من كل داء , ففي الصحيحين: عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: إن أخي يشتكي بطنه، وفي رواية: استطلق بطنه. فقال (صلى الله عليه وسلم): "اسقه عسلا" فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فلم يغن عنه شيئا وفي لفظ: فلم يزده إلا استطلاقا مرتين أو ثلاثا. والرسول في كل مرة يقول له "اسقه عسلا"، فقال له في الثالثة أو الرابعة: "صدق الله وكذب بطن أخيك". وفي رواية الإمام مسلم: إن أخي عرب بطنه: أي فسد هضمه واعتلت معدته.

لقد وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) له العسل لأن استطلاق بطنه كان بسبب تخمة أصابته، فأمره بشرب العسل، لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، والعسل أفضل ما عولج به هذا الداء، ولاسيما إذا مزج بالماء الحار. وفي تكرار السقي معنى طبي بديع: هو أن الدواء يجب أن يكون بمقدار وكمية، بحسب حال الداء: فإن قل الدواء عن الداء لم يزله بالكلية، وإن زاد عليه أوهى القوى فأحدث ضرراً آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا لا يبلغ مقاومة الداء ولا يفي بالحاجة المطلوبة، فلما تكرر على النبي (صلى الله عليه وسلم) أكد عليه المعاودة ليصل إلى مقدار الدواء الذي يمكنه مقاومة الداء، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء شفى بإذن الله تعالى.

إن أخذ مقادير الأدوية وكيفياتها يتم بحسبان المقدار والقوة في المرض وقوة المريض وفق أهم قواعد الطب وفي قوله (صلى الله عليه وسلم) "صدق الله وكذب بطن أخيك" إشارة إلى تحقيق  نفع هذا الدواء، وأن بقاء الداء لا لقصور الدواء في نفسه ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء ليتم التناسب ويتغلب على الداء، وطب النبي (صلى الله عليه وسلم) ليس كطب الأطباء، لأنه قطعي آلهي صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل، وإنما ينتفع به من  تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء فيه، وكما أن التلقي له لا يتم إلا بالإيمان، والإذعان بالتسليم فطب النبوة: لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، وطب القرآن لا يناسب إلا الأرواح والقلوب الحية، أي أن الفائدة تتحقق متى تحقق صدق الاعتقاد وقوة اليقين والإخلاص في الإيمان بالله منزل القرآن الكريم، وصدق رسوله (صلى الله عليه وسلم) الذي أعطى جوامع البيان.

وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يشربه بالماء على الريق ويحض عليه , وفي سنن ابن ماجة مرفوعاً: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء" وفي أثر آخر: "عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن" فجمع بين الطب البشري والطب الإلهي، وبين طب الأبدان وطب الأرواح وبين الدواء الأرضي والدواء السمائي.




د/ محمد محمود عبد الله